كل حدث في الدنيا له بداية ونهاية، والرواية كذلك بها نقطة بداية ونهاية، وتقع الأحداث بين تلك النقطتين، بتصور شخص واحد للأحداث.
عندما أفكر في الرواية لا أفكر بها على أنها قصة فقط، ما يشغلني في الرواية ذلك الشوق الذي يدفعنا أن نمسك كتاباً لا يحمل مادة علمية أكاديمية، ونقرأه بشوق لا يفتر حتى ننتهي من قراءته، ثم نبحث عن رواية أخرى لنفعل الشيء نفسه، ربما تحمل الروايات العبرة، وبعض الدلالات الأخرى لكن لها سحرها الخاص الذي يحبسك في أحداثها فلا تتركها حتى تعرف نهايتها.
الرواية تحمل فكر شخص واحد، وهو الكاتب، يضع فيها عصارة فكر روائي قصصي، يحور فيها أحداث، ويكحلها بمواقف مشوقة، لتشد انتباه القارئ، ويمكنه كذلك أن يضع أفكاره، وتوجهاته سواء كانت سياسية، أو ثقافية أو علمية أو أيدلوجية، على هيئة أشخاص يمثلون ذلك الفكر ويضع حولهم هالة من الوقار أو يجعل القارئ يتعاطف مع الشخصيات او ينفر منها، وهو بذلك يزرع فكرة معينة في ذهن القارئ، ويضع مبادئ ذلك التوجه في جدول أفكاره دون أن يشعر.
هذه النقطة مهمة، فالرواية تتعايش مع الأحداث كالحياة التي تتخللها المشاكل والشخصيات، والأزمات، إذاً الرواية مشابهة لواقع البشر الذي يعيشونه، بسبب هذا التشابه يمكنها أن تأثر بشكل سلل وقوى على القارئ دون أن يشعر، وهو يقرأ الرواية في عزلة وتركيز، وربما يتأثر بشخصية معينة، أو ينسجم مع فكرة.
الكثير من الروايات سوقت لمبادئ فلسفية، ومبادئ منحرفة، وأيديولوجيات غريبة، ووضعتها في سياق مشوق، جسدت شخوصها كأبطال، ننظر إليهم في الرواية بفخر، أو دفعتنا للتعاطف مع حالة أو قضية أو مشكلة معينة، وبعض الروايات حققت رواجاً كبيراً في زمانها، وأثرت في الرأي العام، ووجهة الجماهر في بعض الأحيان.
إذا للرواية، تأثير أكبر مما نتوقع، لأنها تتربع على هرم الأدب، فالأقصوصة ثم القصة القصيرة، ثم القصة،ثم الحكاية، ثم الرواية، علاوة على ذلك يخرج من الرواية مستوى أعلى من الإعلام فتتحول لمسلسل أو فيلم سينمائي، ورغم محدودية زمن تلك الأعمال إلا أن تأثيرها في زمانها يكون قوياً جداً.
إذاً الرواية تقع ضمن سلسلة هرمية، فهي في قمة هرم الأدب، وهي في قاع الأعمال السنيمائية، وهذا الامتداد يعطي الرواية قيمة أكبر وأهمية لا يمكن أن ينكرها أي شخص.